محركات البحث هي أدوات لا غنى عنها للوصول إلى المعلومات، ومع ذلك نجد أن معظم المستخدمين في العالم العربي يعتمدون بشكل كبير على محركات البحث العالمية مثل جوجل، بدلاً من وجود محرك بحث محلي ينافس هذه الشركات العالمية.
400 مليون ناطق باللغة العربية (جمهور غير مستغل)
تشير الإحصائيات إلى أن هناك ما يزيد عن 400 مليون ناطق باللغة العربية حول العالم،مما يجعل هذة اللغة واحدة من أكثر اللغات تحدثاً على وجه الأرض، ومن هؤلاء حوالي 237 مليون شخص يستخدمون الإنترنت ويمثلون المرتبة الرابعة((Internet Users By Languages Worldwide – VerboLabs)) بين أكثر اللغات استخدامًا على الإنترنت، بعد الإنجليزية، الصينية، والإسبانية.
كما أن هناك العديد من الأمثلة على محركات بحث ناجحة تم تطويرها خصيصاً لتلبية احتياجات مناطق معينة أو أشخاص يتحدثون بلغات محددة، مثل محرك البحث الروسي ياندكس (Yandex) الذي ينافس جوجل في روسيا، ومحرك البحث الصيني بايدو (Baidu) الذي يعد الأكثر استخداماً في الصين.
محاولات إنشاء محركات بحث عربية بائت بالفشل
رغم أن هناك محاولات عديدة لإنشاء محركات بحث عربية، إلا أن معظمها لم يحقق النجاح المنشود، ومن بين هذه المحاولات:
محرك بحث “عربي” (Araby)
أفضل محاولة لإنشاء محرك بحث عربي آن ذاك، وكان أحد المشاريع المطورة من قبل مجموعة مكتوب، حيث غطى الإنترنت العربية وقدم خدماته من خلال واجهة عربية، رغم أن “عربي” حصل على جوائز متعددة((عربي (محرك بحث) – ويكيبيديا)) مثل جائزة أفضل موقع عربي على الإنترنت، إلا أنه توقف عن تقديم خدماته في منتصف عام 2010 بعد الاندماج بين مكتوب وياهو((قصة الإنترنت العربية: «مكتوب» أو لماذا يبيع العرب شركاتهم؟ – ثمانية)).
تم تصميم محرك بحث “عربي” باستخدام تقنيات بحث وفهرسة متقدمة واستعان بخبرات متخصصة في التقنيات واللغة، لكنه لم يستطع الاستمرار في المنافسة مع محركات البحث العالمية.
محرك بحث “أين” (Ayna)
قدم محرك البحث “أين؟” خدمة البحث عبر الإنترنت بوجه عام، مع التركيز على المحتوى العربي بشكل خاص، وكان يوفر للمستخدمين خاصية تضييق نطاق البحث من خلال تحديد فئات معينة مثل الأخبار أو الصور للحصول على نتائج أكثر دقة((محرك بحث أين – موقع اللغة والثقافة العربية))، كما كان يوفر أيضاً بالموقع لوحة مفاتيح افتراضية لكتابة الأحرف العربية وتخصيص البحث ليشمل الإنترنت العربية فقط.
لكن على الرغم من هذه الميزات المتقدمة، لم يتمكن “أين” من البقاء في السوق لفترة طويلة.
تعكس هذه المحاولات الرغبة في توفير محرك بحث يلبي احتياجات المستخدمين العرب، إذاً، فما هي الأسباب والعوائق التي تحول دون وجود محرك بحث عربي ناجح حتى الآن؟
العوائق التقنية
البنية التحتية التقنية:
تطوير محرك بحث يحتاج إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية التقنية مثل الخوادم، مساحات التخزين، وقدرات الحوسبة السحابية. الكثير من الدول العربية لا تمتلك هذه البنية التحتية بشكل متقدم.
كما الخبرات التقنية المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية تحتاج إلى فرق عمل ذات كفاءة عالية، وهي نادرة في المنطقة.
قلة المحتوى العربي:
بالرغم من أن اللغة العربية تحتل مركزاً متقدماً من حيث عدد المتحدثين، إلا أن المحتوى العربي على الإنترنت لا يتناسب مع هذا الحجم. الكثير من المحتوى المتاح يكون غير مهيكل أو قديم، مما يؤثر على قدرة محركات البحث على تقديم نتائج دقيقة ومفيدة.
العوائق الاقتصادية
الاستثمار المالي:
تطوير وصيانة محرك بحث يتطلب استثمارات مالية ضخمة، ليس فقط في الجانب التقني، ولكن أيضاً في الترويج والتسويق لجذب المستخدمين. الكثير من الشركات الناشئة في العالم العربي قد تواجه صعوبة في الحصول على التمويل اللازم.
التنافس مع الشركات العالمية:
المنافسة مع محركات البحث العالمية مثل جوجل، بينج، وغيرها تعتبر تحدياً كبيراً. هذه الشركات تمتلك موارد ضخمة وخبرات طويلة في هذا المجال، مما يجعل من الصعب على محركات البحث الجديدة منافستها.
العوائق الثقافية واللغوية
التنوع اللغوي:
اللغة العربية تحتوي على لهجات متعددة تختلف من بلد إلى آخر، مما يزيد من تعقيد عملية معالجة اللغة الطبيعية وتقديم نتائج بحث تتناسب مع احتياجات المستخدمين المحليين.
القضايا الثقافية:
فهم الاحتياجات والتفضيلات الثقافية للمستخدمين العرب يمثل تحدياً إضافياً. محركات البحث تحتاج إلى تطوير خوارزميات تتفهم هذه التفضيلات لتقديم تجربة مستخدم مميزة.
الدعم الحكومي
الكثير من الدول العربية قد تفتقر إلى السياسات والمبادرات الحكومية التي تشجع على الابتكار في هذا المجال. تقديم الدعم المالي والمعنوي للمشاريع التقنية يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو تطوير محرك بحث عربي.
وفي الختام، يعتبر غياب وجود محرك بحث عربي ناجح يعود إلى مجموعة من العوائق التقنية، الاقتصادية، الثقافية، والسياسية. تجاوز هذه العوائق يتطلب تعاوناً واسعاً بين الحكومات، الشركات التقنية، والجامعات، إضافة إلى استثمارات كبيرة في الموارد البشرية والتقنية.
وبالرغم من المحاولات البائسة في توفير محرك بحث يلبي احتياجات المستخدمين العرب إلا أنني أتوقع أنه ومع الجهود المشتركة، يمكن للعالم العربي أن يشهد يوماً ما تطوير محرك بحث يلبي احتياجات المستخدمين المحليين ويعزز من المحتوى العربي على الإنترنت.